إلغاء الولايات المتحدة الأمريكية للاتفاق النووي مع إيران يخلف إرثًا محيرًا
بقلم برنهارد شيل
إسطنبول (IDN) – هُوجمت إيران بشدة بسبب إعلانها بتاريخ 5 يناير بأنها لن تمتثل لبعض “القيود التشغيلية” المفروضة على تخصيب اليورانيوم في الاتفاق النووي، المعروف رسميًا بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). أثار الإعلان شكوكًا حول أنشطة النظام ونواياه ومصير الاتفاق النووي.
صرح إرنست ج. مونيز، الرئيس المشارك والرئيس التنفيذي لمبادرة التهديد النووي (NTI)، قائلًا: “هذه التساؤلات يمكن فهمها على أفضل وجه في إطار الهيكل العام لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وهو اتفاق بُني على أساس التزام إيران بأن تكون أنشطتها مقصورة على الأغراض السلمية”.
وأضاف في برنامج سؤال وجواب موضحًا: “أولًا، ثمة قيود شديدة على أنشطة إيران النووية، بعض منها قيود محددة المدة والبعض الآخر قيود مستمرة. ثانيًا، وهو الأهم، تخضع إيران لنظام تحقق فريد وشامل في وجود المفتشين الدوليين الممنوح لهم قدرات لا يوجد مثلها في مكان آخر”.
رفض مونيز وجهة النظر المُنتشرة القائلة بأن الإعلان الإيراني كان ردًا على مقتل اللواء الإيراني قاسم سليماني، قائلًا: “توقيت الإعلان كان من قبيل الصدفة يزامن مقتل سليماني. ففي مايو 2019، أي بعد عام واحد من انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من خطة العمل الشاملة المشتركة، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن إيران ستبدأ اتخاذ خطوات للتراجع عن التزاماتها وبأنها ستعلن عن خطوات إضافية بعيدة عن الخطة كل 60 يومًا، ما لم ينفذ شركاء خطة العمل الشاملة المشتركة وعودهم برفع العقوبات”.
وأضاف الرئيس المشارك لمبادرة التهديد النووي قائلًا: “اعتبرت إيران أن الخطوات اللاحقة التي اتخذتها مجموعة الدول الأوروبية الثلاث/الاتحاد الأوروبي -فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي- لم تكن كافية، فجاء كما هو متوقع إعلانها ‘الخامس والأخير’ بتاريخ 5 يناير”.
ويحث مونيز المجتمع الدولي على العمل لإنعاش الطرق الدبلوماسية لمعالجة التحدي النووي الإيراني، وأضاف قائلًا: “يمكن أن تفي بهذا الغرض بعض الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا للوصول إلى ‘آلية لتسوية النزاع’، بيد أن هذا يُشكل مقامرة محفوفة بالمخاطر”.
يُشاطر الخبراء الإيرانيون الآخرون هذا الرأي، فيزعم الكاتب ومحلل السياسة الخارجية حول إيران والشرق الأوسط في مجلة فورين بوليسي، صاحب صادقي، قائلًا: “تأمل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، من خلال اللجوء إلى آلية تسوية النزاع الإيراني، أن تُعيد أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات، بيد أنه قد يحدث تصعيدًا”.
ويضيف الرئيس التنفيذي لمبادرة التهديد النووي: “سيكون من الضروري أن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على الأقل مع حلفائنا الأوروبيين، بالإضافة إلى روسيا والصين، من أجل الضغط على إيران حتى لا تتوسع في برنامجها النووي، وسواء بقت خطة العمل الشاملة المشتركة أم لا، ينبغي للعناصر الرئيسية من الاتفاق أن تُشكل ركائز مهمة لأي ترتيبات مستقبلية: القيود المحددة بدقة والمفروضة على أنشطة دورة الوقود النووي الإيرانية لفترة زمنية طويلة مقرونة بأعلى مستوى ممكن من الرصد والتحقق الدوليين”.
ومع بروز جانب آخر حاسم، يقول جوزيب بوريل، رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بأن على أوروبا ضمان أن تستفيد إيران من الاتفاق النووي إذا أراد الاتحاد الأوروبي استمرار سريان الاتفاق، فكتب مقالة في بروجيكت سنديكيت، نُشرت بتاريخ 8 فبراير، قال فيها: “إذا أردنا استمرار سريان الاتفاق النووي الإيراني، نحتاج لأن نكفل استفادة إيران في حال عودتها للامتثال الكامل”.
أخطر بوريل، عضو حزب العمال الاشتراكي الإسباني، في يناير من قبل باريس ولندن وبرلين بأنهم نشروا آلية تسوية النزاع. قال بوريل أن الاتحاد الأوروبي سيمدد المهلة الزمنية المحددة لحل الخلافات الناشئة في الاتفاق النووي إلى أجل غير مسمى لتفادي الاضطرار للجوء إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو فرض عقوباتٍ جديدة.
وأضاف بوريل في بيان له بتاريخ 24 يناير قائلًا: “ثمة اتفاق على أن الأمر يتطلب المزيد من الوقت نظرًا لتعقد القضايا المطروحة؛ ومن ثمَّ حدث تمديدًا للجدول الزمني”.
انتقد الرئيس الإيراني روحاني، في اجتماعه مع بوريل في طهران بتاريخ 3 فبراير، الاتحاد الأوروبي لتقاعسه عن الوفاء بالتزاماته بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الصفقة وإعادة فرض عقوبات على إيران. ومع ذلك، قال روحاني: “لا تزال الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستعدة للتعاون مع الاتحاد الأوروبي لتسوية القضايا المطروحة، وفي أي وقت يمتثل فيه الجانب الآخر (الاتحاد الأوروبي) امتثالًا كاملًا لالتزاماته، ستعود إيران أيضًا إلى التزاماتها”.
في مايو 2019، بدأت إيران في تقليص التزاماتها الواردة في خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) على فترة كل شهرين اثنين ردًا على إلغاء الاتفاق من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تقاعس الاتحاد الأوروبي عن حماية الاقتصاد الإيراني من العقوبات الخانقة.
كما تلاحظ أنّا ساوربراي في مقالة لها نشرتها «نيويورك تايمز»، بتاريخ 10 فبراير، أن القناة المالية “أداة دعم الانشطة التجارية” INSTEX التي أنشأتها كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في يناير 2019 “ما هي إلا مثال واضح على عدم جدوى نضال أوروبا من أجل استراتيجية مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية”.
منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو 2018، “كافحت الدول الأوروبية من أجل الخروج بتصور لرد مناسب”، ولكن دون جدوى، نظرًا لأن التأثير الهائل للعقوبات الثانوية التي فرضتها أمريكا لا يقتصر فقط على النفوذ القوي للسوق الأمريكي، بل يمتد أيضًا لقوة الدولار الأمريكي، وقدرة أمريكا على التحكم في أنظمة المعاملات المالية، سواء من الناحية القانونية أو بحكم الواقع”.
وتقتبس ساوربراي من ديفيد جليلفاند، خبير السياسة الخارجية الذي يدير Orient Matters –جريدة في برلين للاستشارات السياسية والاقتصادية المتخصصة في الشرق الأوسط- قائلة: “في مرحلة معينة، تمتلك تقريبًا كل شركة نوعًا من الاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية”.
حتى إن لم تكن الشركة تعمل في السوق الأمريكي، سنجد أن البنك الذي تتعامل معه أو إحدى شركات التأمين الخاصة بها أو شركات إعادة التأمين التي تُدعم شركات تأمينها يعملون في السوق الأمريكي. “ونتيجة لذلك، يمتد التأثر إلى الشركات التي لا تعمل في السوق الأمريكي”.
وتستمر ساوربراي قائلة: “أحد المفاتيح الرئيسية لدول أوروبا من أجل تحقيق ‘الاستقلال الاستراتيجي’ في علاقتها الدولية هو اكتساب القدرة على إجراء معاملات مالية مستقلة”.
أوضحت طهران في إعلاناتها أنها تتخذ خطوات، مع بقائها “في الاتفاق”، من شأنها أن توقف “جزئيًا” تنفيذ بعض التزامات الاتفاق النووي، وأضافت أن هذه الخطوات يمكن العودة عنها. وبالرغم من أنه لا يمكنها أبدًا “العودة” عن التجارب المكتسبة من العمليات النووية، يمكن لإيران أن تزيل المعدات وأن تفككها، وأن تشحن المواد خارج البلد أو أن تُخفف من تركيزها.
وحسب تصريحات الرئيس المشارك لمبادرة التهديد النووي، “واصلت إيران حتى الآن التزامها بعنصر رئيسي من الاتفاق، وهو تدابير الرصد والتحقق الصارمة، وتشمل ما يتعلق بأنشطة غير نووية معينة لازمة لتطوير الأسلحة النووية، فإذا اختارت إيران أن تنسحب من الاتفاق أو أن تُسرع في بناء قنبلة، سيعطي نظام التحقق مؤشرات مبكرة بهذا الشأن”.
تُشير التقارير الواردة من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذين لا يزالون يتابعون الأعمال على أرض الواقع، بأن إيران تزيد من مستويات التخصيب لديها، حتى وإن كانت زيادة ضئيلة جدًا، ولكنها توسع العمل على أجهزة الطرد المركزي الغازية على نحو أكثر كفاءة، بيد أن استمرار وجود مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكن تفسيره على أن تقديرات “أسوأ التقديرات “، التي تتطلب أن تستخدم إيران جميع منشآتها وموادها المعروفة، لا يمكن حدوثها دون الكشف عنها فورًا من قبل وكالة الرقابة النووية التابعة للأمم المتحدة.
وفيما يتعلق بالبلوتونيوم، الذي يمكن استخدامه أيضًا لبناء قنبلة، يرى مونيز أن إيران تلتزم بالاتفاق النووي ضمن حدود من شأنها أن تمنع منشآتها من فصل البلوتونيوم وأنها مستمرة في التعاون مع الصين وبريطانيا لتعديل تصميمه من أجل مفاعل الأبحاث النووية الجديد؛ ومن ثمَّ فإنها لن تنتج مواد مناسبة للاستعمال في سلاح نووي.
ويؤكد رئيس مبادرة التهديد النووي على أن المفاعل النووي الذي كانت تبنيه إيران قبل خطة العمل الشاملة المشتركة، الذي كان يستهدف إنتاج كمية كافية من البلوتونيوم سنويًا لتصنيع قنبلة أو اثنتين، قد دُمر جزئيًا.
[IDN-InDepthNews-14 فبراير 2020]
مصدر الصورة: Forum IAS